ما قيمة الحج؟ ولماذا احج
للدكتور محمد هداية
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله
وصحبه وسلم يا ربنا تسليمًا كثيرًا وبعد:
قال تعالى
وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ
(الحج)
كل عام يأتي موسم الحج نتكلم كلامًا أنا شخصيًا أملُّ منه مثل: سنكون متعجلين أم لا في (منى) ويوم أم يوم ونصف و.. وكأن العبادة تحولت إلى عادة وأهمية اسؤال تكمن في أن المولى عز وجل ما فرض أركان الإسلام إلا عبادة تقيم المعاملات. كل ركن من أركان الإسلام هو عبادة لكن
ليس لمجرد التعبد إنما هي إقامة الدنيا والحياة والشعائر والمعاملات كلٌ متكامل
لا ينفصل وكل عبادة لها حكمة وغاية وهدف:
(إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)،
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)،
(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) [التوبة:].
بالنسبة للحج توجد آيات كثيرة فيها إشارة لِمَ الحج؟! عندما تستمع بقلبك
(ولله على الناس حج البيت)
ثم توقفت عند هذا الحد فالمستمع يفهم أن هذه صياغة بشرية لا يمكن أن تكون لله لكن الصياغة الإلهية
(وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)
[آل عمران:97]
فكلمة من استطاع إليه سبيلا تضمنت المكان والزمان وأمور كثيرة جدًا في الفريضة وأصبحت عند الاستطاعة. ونجد الإمام الشافعي رضوان الله عليه اعتبر العمرة فرض
على عكس كثير من الأئمة، ونحن أيّدنا هذا الفكرة واعتبرناها
فكرة منضبطة لأن القرآن يقول (وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) [البقرة:196] . ولو اعتبرت العمرة فرض فهل من المقبول أن الحج يكون على التراخي؟! وهذا فتح الباب لأسئلة مثل هل أحج أولًا أم أزوِّج ابنتي أولًا، أو أبني المصنع أولًا؟! فدخل الدين في الدنيا واختلطت الأمور ولم يقفل هذا الباب حتى اليوم، وأنا أقول هذا الكلام ردًا على السؤال
ما قيمة الحج ؟!
عندما تسمع الآية تتساءل أين يكون الحج؟! هل المكان باختيار الناس أم باختيار الله تبارك وتعالى؟!
قال تعالى
(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة:127]
وخلاصة الكلام في (وإذ بوأنا) مع (من البيت) تبين أن البيت كان موجودًا والمكان مجهولًا لابراهيم.
بسبب عوامل التعرية والظروف الجوية من عهد آدم، وأرشده الله تبارك وتعالى ولذلك (بوأنا) هنا بها شرح كبير جدًا في اللغة فكلمة بوأنا هنا تعني أرشدنا، كشفنا، بيَّنا. إذن فمن الذي وضعه؟! الله تبارك وتعالى وضعه للناس. ولذلك عندما تتكرر عليك الآيات وأنت تتدبر ستشعر أن المفاهيم تغيرت؛ (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً) [البقرة] من الذي جعل؟!
لا يمكن الناس تجعل لنفسها مثابة أو تضع لنفسها عبادة، الآيات كلها متكاملة ومرتبطة ببعضها. إذا عدنا للسؤال لم الحج؟! عندما تسمع الآية (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ)- اللام هنا قضية كبيرة و (على) حرف يفيد الإلزام – مع آية
(وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ)
وإجابة على السؤال لم الحج؟! (أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا) كأني بالبيت ينفي الشرك؛ من يحج البيت على مراد الله وليس كما يحدث في عرفة اليوم من شرب الشيشة والقهوة والتحدث في السياسة والإقتصاد وكرة القدم – سيصل للغاية التي من أجلها فرض الله تبارك وتعالى الحج. لو كلٌ منا سأل نفسه لماذا أحج؟! وكانت الإجابة لأجلس وأتسامر في عرفة
ستكون مصيبة!. ودائمًا الإجابة المشهورة التي نسمعها: أنا أحج لكي تُغفر لي ذنوبي.
وهما أمران أحلاهما مر من وجهة نظري لأنه إذا كانت هذة هي الغاية ماذا يفعل الفقير أو المريض الذي لا يستطيع الحج؟! فلو أنت تريد أن يغفر الله لك إستغفر الله وتب إلى الله توبة نصوحًا وأنت في مكانك، طبعًا سيرد ويقول لكن الرسول قال (من حج هذا البيت، فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه) نعم الحديث صحيح لكن هذه قضية أخرى وأنت لا تفهم الحديث لأني سأعود لنفس السؤال مرة ثانية وماذا يفعل الفقير الذي لا يستطيع الحج؟! هل لن يغفر الله تبارك وتعالى له؟!
أرجع إلى السؤال لماذ أحج؟! ........... (أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا)
وسأقول آية أرجو أن نوقعها قبل أن نفكر (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) يعني ساعة بوأ له مكان
البيت قال له (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) هذه الآية يتم توقيعها من عهد آدم وابراهيم وإلى
القرآن ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم المفترض أنني أفهم ما هو التطهير؟!
ليس معناها نظِّف أو عقَّم مثل الوضوء
واختلفت ألفاظه بين ابراهيم وحده وابراهيم واسماعيل عليهما السلام؛ فعندما كان ابراهيم عليه السلام وحده قال
(وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)
ولما كان ابراهيم واسماعيل قال
(وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [البقرة:125]
لماذا تم زيادة العاكفين؟! لأنه في عهد ابراهيم حدث رفع القواعد فالتطهير حينها عبارة عن أن ابراهيم يزيل عوامل التعرية ويُظهر سقف البيت المتبقي، أما مع ابراهيم واسماعيل التطهير عبارة عن بناء أو رفع قواعد لذلك تم زيادة العاكفين لأن الإعتكاف يحتاج لمكان وجدار مثلًا لتسند ظهرك عليه، ولأن ابراهيم عليه السلام لا يستطيع رفع القواعد وحده لا بد أن يكون معه اسماعيل عليه السلام. إذن التطهير حتى في الألفاظ أعطى لك معنى (طهِّر) وهوتطهير المكان من فتنة الشرك؟!
سأقول جملة وأرجو أن نتعلم منها جميعًا الذي يذهب إلى الحق ما يقول؟! يقول أنا ذاهب عند حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم!، لا بد أن تفهم أنت ذاهب لأداء فريضة الحج، وهل قال القرآن (وللرسول على الناس حج البيت)؟! ام
(وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ). وهذا ليس معناه أنك تكره الرسول صلى الله عليه وسلم إطلاقًا، بل – في رأيي الشخصي – الذي يقول هذا القول لا يحب الرسول، لأن الذي يحب الرسول صلى الله عليه وسلم
يطبق آية الله تبارك وتعالى فيه
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)
[الأحزاب:21]
هذا الرسول جاء يدعو لنفسه أم لله تبارك وتعالى؟!
هذه الألفاظ تبين أن الغاية من الحج لم تحقق فالقرآن يقول (وَإِذْ بَوَّأْنَا) (أَن لَّا تُشْرِكْ) هل كان محتملًا إن ابراهيم عليه السلام – الذي عرف الله تبارك وتعالى
بفطرته دون أن يعرفه الله نفسه –
يشرك بالله؟! أنا أقول لا
إذن القضية ليست في الرسول، عندما قال
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا
تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ
حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) [الطلاق:1]
هو يكلم الرسول بوصفه نبي الأمة، أي يكلم الأمة في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وهنا هو لا يكلم الأمة بل يكلم الناس في شخص ابراهيم عليه السلام لأنه لم يقل له (وأذن في أمتك، أو في قومك) بل قال (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) من عهد ابراهيم إلى يوم القيامة لكن كل رسول سيأتي سيحمل الرسالة بالتكليف؛ ولذلك ليس من قبيل الصدفة أن الحج يفرض في عهد محمد صلى الله عليه وسلم – وهنا خلاف – لكن لكي نخرج من الخلاف نقول متى حج الرسول؟! في أي عام؟! في السنة التاسعة من فرضه كما يقول بعض الفقهاء – وهذا دعاهم للقول بمسألة التراخي – وهناك آراء كثيرة تقول أنه حج في نفس السنة التي فرض فيها الحج أو في السنة التي تليها مباشرة. وكثير من الناس تفهم أن الحج مغفرة للذنوب وأن الحاج يعود من الذنوب كيوم ولدته أمه هذا بالنسبة للجزاء أما بالنسبة للفريضة نفسها وكيفية أدائها والحكمة منها، ما علاقة الفريضة بنفي الشرك وهل إذا لم أفهم هذه الفلسفة يؤثر على قبول الحج وهل تحقق به الركن؟! وسأفترض أن الحاج ذاهب ليمسح الذنوب الفائتة، ماذا عن القادمة؟! فلماذا لا نسير على مراد الله تبارك وتعالى في الآيات؟! فالآية تضمن ما قبل وما بعد الحج. عندما أرجع من الحج وأنا أستوعب فكرة التوحيد وفكرة الشرك، ومدرك أن السرقة شرك والزنا شرك والرشوة شرك، وبدأت أفهم أشياء لم أكن أفهمها من المؤكد أن هذا سينفعني فيما سيأتي.
وفي الحالتين سأضع لك آية كعنوان
(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) [الزمر:9]
ولأن السؤال عن الذي ذهب وهو جاهل بالفلسفة ولم يفكر، هو ذاهب فقط لكي يغفر الله له فهل حجه مقبول أم لا؟!
في رأيي ليست هذه هي القضية حتى لو غُفر له، ما زال القرآن يسأل
(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)
بالطبع لا يستويان. سأضرب لك مثالًا بعيدًا عن الحج، لو أنا ذهبت لأصلي الظهر مثلا بقلب مفتوح لله تبارك وتعالى وأطمع – ليس فقط في المغفرة لكن أيضا في التدبر وأن يعلمني المولى عز وجل ويفهمني ويقبلني؛ فهل هذه الصلاة ستكون مثل أي صلاة ظهر أم ستكون مختلفة؟! بالتأكيد مختلفة وستخدمني ليس فقط فيما مضى بل فيما سيأتي أيضًا. فما الحكمة من فرض الصلاة خمس مرات في اليوم في مقابل أن الحج مرة في العمر – ليس في العام – وأكرر في العمر؟! وما الحكمة من أن الرسول صلى الله عليه وسلم حج مرة واحدة؟! يرد شخص ويقول أنه مات، وهذه حكمة أخرى؛ لأنه إذا عاش سيقال مثلًا أنه عاش ولم يحج وستكون قضية لأنه قال (خذوا عني مناسككم) بما لها وما عليها أي بكل معانيها. النقطة الأهم ماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حجته؟! هذا السؤال لم يُطرح
(إني تركت فيكم ما إن اعتصمتم به كتاب الله وأنتم تُسئلون فماذا أنتم قائلون)
من منا يفكر في هذه الإجابة؟! قالوا: نشهد أنك قد أدّيت وبلّغت ووضّحت. أنا اليوم أعيش بأن الرسول وصَّل لي الرسالة وأنا أقوم بها، فلو أنك في عرفة وامتثلت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتذكرتها ماذا سيحدث لك؟! ستجد نفسك في حاجة لأن تجيب عن السؤال الذي سأله الرسول صلى الله عليه وسلم، تجد أشخاصًا يبكون ويتأثرون و… هذه ليست القضية بل إن القضية هي (وأنتم تسألون عني) كأني برسول الله صلى الله عليه وسلم بلَّغ الرسالة –
والآية تتجلى نصب أعيننا
(وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء:15] – فماذا فعلت أنت؟!، وما مضمون (وأنتم تسألون عني)؟!
فلا بد أن نقف عند (ولله على الناس حج البيت) فكيف يقول المولى عز وجل
(وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ثم بعدها (وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) سأسألك أنا هل
(ومن كفر) هذا الذي لم يذهب أصلًا؟ أم الذي ذهب ولم يتفكر؟! الذي ذهب لمجرد أنه ذاهب ليحج فقط وتغفر ذنوبه هذا لم يعرف الغاية من الحج والتي أرى أنها أوضح من الشمس في كبد السماء إذا تدبرنا الآية وتدبرنا كيف حج الرسول وكيف حج الصحابة وإن كلمة الكفر لا تعني كفار قريش لكن حديثًا أيضًا نجد أشخاصًا مفترض أنهم ولدوا مسلمين لكن نسمعهم يقولون هذه عبادة وثنية وأنت ذاهب إلى مجموعة من الحجارة ويقول تعالى
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ
فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)
فهم يصدون الناس عن سبيل الله وعن المسجد الحرام. (الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ) (سَوَاءً) هنا الجملة أصلية وسواءً مفعول ثانٍ؛ لأن (للناس) الجر والمجرور في محل نصب مفعول أول، أما (سواءٌ) تكون مبتدأ بمعنى: جعلنا للعاكف فيه والباد سواءٌ، العاكف: الذي من أهل مكة، والباد: هو الطارق الذي يأتي ويمشي بعد الحج، يريد أن يقول لك أنك عندما تنظر للحجيج لا تستطيع أن تقول هذا مقيم وهذا باد أو ليس من أهل مكة بل الكل سواء، الله سبحانه وتعالى يغفر للجميع ولكل من دعا بصدق ليس هناك تمييز لصاحب المسجد – المسجد أي البيت أي البلد، انتبه لأن كلمة (الحرام) كلمة عظيمة جدًا جاءت زمانًا ومكانًا: أربع مرات زمان ومرة مكان (البيت الحرام، والمسجد الحرام، والمشعر الحرام، والبلد الحرام) وجاءت مرة واحد زمان (الشهر الحرام) – يريد أن يقول لك أن الحجيج كلهم سواء أمام الله تبارك وتعالى لا يميز الله بين مقيم وطارق. ساعة تسمع أنت (جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ) ألا تقابل هذه (ولله على الناس)؟! والآية ثقيلة جدًا في مفهومها يعني هل أنا أستطيع أن أؤدي حق الله في أي شيء؟! فهل يستطيع أحد منا أن يؤدي الصلاة بحق؟! لا، كلنا يشعر أنه مقصِّر، والآية تقول أقيموا الصلاة ولم يقل على الناس، فما بالك عندما يأتي في عبادة ويقول (ولله على الناس). الشخص الفقير أو المسكين عندما يريد منك حسنة يقول لك (لله) هل تفهمها؟! يقول هذا لكي تتأدب وأنت تعطيه أي أن هذه الحسنة ليست له هو بل لله سبحانه وتعالى، فانتبه (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) الإشكالية الكبرى في (وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)
وأنت ذاهب للحج هل أنت مع هؤلاء أم مع هؤلاء؟! لا بد أن ننتبه.
فالحج المبرور وهذه هي النقطة التي لم تُفهم من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، كل التركيز كان على مسألة أن الحاج يعود من ذنوبه كيوم ولدته أمه ونسوا (الحج المبرور). أنت عندما تنظر للحجيج مجتمعين ستجدهم من كل بقاع الأرض: من أمريكا، وأندونيسيا، وأفغانستان و … وبعد انتهاء الحج كل يعود إلى بلده، هل الحج المبرور سيفيد الشخص فقط أم سيعم على مجتمعه الذي عاد إليه؟! لذلك لا الصلاح منفرد ولا الفحشاء منفردة، فصلاحي يعني صلاح محيطي الذي أعيش فيه وطلاحي لا يمكن أن يكون منفردًا أيضًا، فهمنا الخاطئ لبعض الألفاظ ضيَّع المعاني الجميلة للآيات والأحاديث الصحيحة. ما هو الحج المبرور؟!
من أين أتى بها الرسول صلى الله عليه وسلم؟! من آية
(فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ)
وعندما تسمع (ولا جدال في الحج) فما شأن الرفث والفسوق؟! يكونان قبل الحج، بمعنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يشرح لنا الآية التي لم نفهمها أن الشهور التي فرضنا فيها الحج أي منذ أن نويت الحج مثلًا نويت في شعبان أن تحج هذا العام، يريد أن يقول لك أنك منذ أن نويت أصبحت حاجًا لأنك أنت الذي فرضت على نفسك (فمن فرض فيهن الحج) أي أنك بمجرد أن نويت أصبحت رجلًا صالحًا. فالذي يفرض على نفسه أو يكلف نفسه بعمل معين يتقي من قبله لكي ينضبط. الرجل الذي
ينوي الحج لن ينتظر إلى أن يذهب لعرفة لكي ينضبط بل سينضبط من قبلها
(فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ)
يعني أنت تنضبط من قبلها نتيجة أنك نويت الحج، وعندما يأتي الرسول يقول (والحج المبرور) متى يبدأ البر؟! من بداية النية وأنك فرضت على نفسك وبدأت الإجراءات والتأشيرة والرجل الذي لم يستطع الحصول على تأشيرة هذا العام يظل منضبطًا إلى العام المقبل؛ إذن الآيات لها معاني أعمق من الكلام بسطحية الامور
والحمد لله رب العالمين