الحبة السوداء.........شفاء من كل داء
http://www.md4aa.com/vb/showthread.php?p=109851#post109851[/color]
بقلم د.عبد الجواد الصاويتلقى المسلمون أحاديث الحبة السوداء بالقبول واختلف العلماء في شرحها:
فمن قائل بأن عموم الشفاء لكل الأمراض والذي يفهم من ظاهر الأحاديث ليس مراداً،
وإنما المراد أن فيها شفاء لبعض الأمراض، فهو من قبيل العام الذي يراد منه الخصوص،
ومن قائل: أن الأصل حمل العام على عمومه ما لم تكن هناك قرينة قوية صارفة، ولذلك رجحوا وجود خاصية الشفاء بها لكل الأمراض
وأثبتت الأبحاث الحديثة أن جهاز المناعة يملك تقديم العلاج الدقيق المتخصص لكل داء يمكن أن يصيب الجسم، من خلال تنشيط المناعة النوعية متمثلة في الخلايا الليمفاوية المنتجة للأجسام المضادة، والخلايا القاتلة المفصلة والمخصصة لكل داء.
وأن للحبة السوداء تأثيراً منشطاً ومقوياً لهذه المناعة، فيمكن بذلك أن يكون في الحبة السوداء شفاء من كل داء، وبالتالي يمكن حمل ظاهر النصوص على عمومها. وسنتناول في هذا البحث شرح علمائنا السابقين لهذه الأحاديث، ثم شرحاً مبسطاً لجهاز المناعة، مشفوعاً بملخص لبعض الأبحاث التجريبية في أثر الحبة السوداء على هذا الجهاز، ثم بيان وجه الإعجاز العلمي في هذه الأحاديث.
أولاً: النصوص الواردة وشرحها
ثبت في الصحيحين من حديث أم سلمة عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: عليكم بهذه الحبة السوداء، فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام (1) والسام: الموت. كما روى البخاري عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا من السام. قلت وما السام؟ قال: الموت(2).
وفي رواية المسلم: ما من داء إلا في الحبة السوداء منه شفاء(3).
شرح العلماء السابقين للأحاديث
اختلف علماء المسلمين الأوائل في تفسير هذه الأحاديث بناء على معلومات عصرهم، فقال فريق منهم: أن العموم غير مراد وإنما يراد به الخصوص. فقال المناوي فإن فيها شفاء من كل داء يحدث من الرطوبة ولكن لا تستعمل في داء صرف بل تارة تستعمل مفردة وتارة مركبة حسب ما يقتضيه المرض وقال ابن حجر العسقلاني مثل الكلام السابق وزارد في كل داء تقديره يقبل العلاج بها فإنها تنفع من الأمراض الباردة وأما الحارة فلا.
وقال الخطابي: هو من العام الذي يراد به الخاص لأنه ليس من طبع شيء من النبات ما يجمع جميع الأمور التي تقابل الطبائع في معالجة الأدواء بمقابلتها، وإنما المراد إنها شفاء من كل داء يحدث بسبب الرطوبة. وقال أبو بكر بن العربي: العسل عند الأطباء أقرب إلى أن يكون دواء لكل داء من الحبة السوداء، فإن كان المراد بقوله العسل فيه شفاء للناس إنما يراد به الأكثر الأغلب، فحمل الحبة السوداء على ذلك أولى. وأما صاحب كتاب تحفة الأحوذي الذي حمل الأحاديث على عمومها فقال
وأما أحاديث الباب فحملها على العموم متعين لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيها إلا السام
كقوله تعالى والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات)
ثم قال: قال أبو محمد بن أبي جمرة تكلم الناس في هذا الحديث وخصوا عمومه وردوده إلى قوله أهل الطب والتجربة ولا خفاء بغلط قائل ذلك، لأنا إذا صدقنا أهل الطب ومدار علمهم غالباً على التجربة التي بناؤها ظن غالب، فتصديق من لا ينطق عن الهوى أولى من كلامهم..
ثانياً: الجانب العلمي
1ـ الجهاز المناعي(7،5)
يتعرض الإنسان طبيعياً لأنواع مختلفة من البكتريا والفيروسات والفطريات والطفيليات التي تغزونا عن طريق الجلد، أو مجاري التنفس، أو عن طريق القناة الهضمية، أو عن طريق الأغشية المبطنة للعين، أو عن طريق الجهاز البولي وتسبب عدة أمراض خطيرة فيما لو نفذت إلى الأنسجة العميقة في الجسم بالإضافة إلى الأعداد التي تحيا طبيعياً في أجسامنا.
ولكن من رحمة الله بنا أن جعل لأجسامنا نظاماً خاصة للدفاع عنه ضد الغزو الخارجي لهذه الكائنات الدقيقة وسمومها التي تفرزها في الجسم، وهذا الجهاز يسمى جهاز المناعة. ويقوم الجهاز بوظيفتين متكاملتين لمنع المرض والتخلص من مسببه الغازي للجسم، إما بتحطيمه بواسطة عملية البلعمة، أو بإنتاج أجسام مضادة وخلايا متخصصة متوافقة مع تركيب كل كائن يغزو الجسم، وذلك لضمان القضاء عليه بشكل نهائي. وعليه فالمناعة التي يقدمها هذا الجهاز للجسم يمكن تقسيمها إلى قسمين رئيسيين:
أولاً: مناعة فطرية أو طبيعية(Natural immunity) وتعتبر خط دفاع أولي للجسم إذ تعمل على منع دخول الغازي، أو إبادته قبل تمكنه من احتلال الأنسجة وتكاثره فيها وتسببه للمرض، وهي مناعة غير نوعية (Non specific) حيث أنها توجد لصد جميع الغزاة من الكائنات الدقيقة والعوامل الخارجية الضارة بكيفية واحدة.
وتعمل هذه المناعة وفق الآليات التالية:
1ـ آليات ميكانيكية وفيزيائية وكيماوية تحمي الجسم من هؤلاء الغزاة كالجلد والأغشية المخاطية المبطنة للجهاز التنفسي، والهضمي، والتناسلي، والبولي، وملتحمة العين، وهذه الكائنات للجسم. كما أن في إفرازات الجلد مواد فعالة في قتل الجراثيم مثل حمل اللاكتيك الموجود في العرق، والأحماض الدهنية الموجودة في جلد البالغين، وشمع الأذن المضاد للجراثيم لما فيه من حامض الأوليك، كما تحوي الأغشية المبطنة لمواد قاتلة للجراثيم مثل الخميرة الحالة Lysosome وكذلك مواد قاتلة للفيروسات، هذا فضلاً على ميكانيكية حركة السائل المخاطي في الجهاز التنفسي والذي به يتخلص من الجراثيم والأجسام الغريبة أولاً بأول.
2-الجراثيم الموجودة بصورة طبيعية في الجسم Normal flora: وهي جراثيم غير مرضية، تعيش بأعداد هائلة في أمعاء الإنسان وفمه وفي أماكن أخرى، ولها دور بارز في الدفاع عن الجس، إذ تكون وسطاً غير صالح للأنواع المرضية فتقبلها أو تعيق نموها.
3ـ بعض المركبات الكيميائية في الدم: والتي تلتصق بالجراثيم الغازية أو السموم وتحطمها مثل الجسيمات الحالة وعديدة الببتيدات الأساسية Basic polypepyides والتي تبطل مفعول أنواع معينة من البكتيريا.
4ـ مجموعة الانترفيرونات (Interferons): تنتجها الخلايا حينما تصاب بفيروسات قبل إنتاج الأجسام المضادة،وهذه المواد تسمى مواد مانعة إذ تجعل النسيج يقاوم الإصابة إذا ما تعرض لفيروس آخر فتمنعه من النمو فيقضي عليه الجسم مبكراً.
5ـ نظام المتم Complement: يتكون من حوالي عشرين بروتيناً،ووظيفته تنشيط عملية البلعمة لكل من الخلايا البيضاء وخلايا البلعمة، ومعادلة الفيروسات وجعلها غير قادرة على التكاثر، ومحاصرة مكان الالتهاب والغازي في آن واحد، والقضاء على الميكروب قبل تكوين الأجسام المضادة الخاصة.
6ـ البلعمتة Phagocytosis: وتعنى ابتلاع وقتل وهضم الكائنات والمواد الغريبة بواسطة خلايا الدم البيضاء المعروفة بالبلعميات، وهي الوحدات المتحركة لنظام الدفع الجسمي وتتكون هذه الخلايا من نخاع العظام، ثم تنتقل إلى الدم وجميع أنسجة الجسم، وتكمن أهميتها الحقيقية في انتقالها السريع إلى أماكن الإصابة الخطرة لتشكل دفاعاً سريعاً وقوياً ضد الغزاة. وتقوم هذه الخلايا بشل فاعلية هذا الغريب الغازي وتحطيمه وخلايا البلعمة نوعان:
الببلعميات الكبيرة (Macrophages)
وتتكون من الخلايا من الخلايا البيضاء وحيدة النواة Monocytes فعندما تدخل الأنسجة تكبر وتتحول إلى خلايا بلعمية كبيرة وتتصل بالأنسجة وتبقى متصلة بها شهوراً أو سنيناً تدافع عنها وتلتهم عدداً كبيراً من البكتيريا والفيروسات والخلايا الميتة والأجسام الغريبة. وتتمركز خلايا البلعمة في مراكز أساسية في الجسم لحمايته من أخطار الغزاة، وتختلف من حيث موقعها ومظهرها وحجمها وحركتها: فتسمى في الكبد: خلايا كوفر، وفي الدم: الخلايا وحيدة النواة monocytes، وفي الرئة خلايا الغبار، أما إذا وجدت في السائل المتكون نتيجة الإلتهاب فتسمى بالبلعم الكبير. ويحتوي الكبد والطحال على أعلى نسبة من البلعم الكبير.
البليعمات (Microphage):
وهي كريات الدم البيضاء مثل الخلايا متعادلة الاصطباغ (Neutrophils) والخلايا حامضية الاصطباغ (Eosinophils) وهي أصغر حجماً من البلاعم النسيجية ويتكاثر عددها أثناء الالتهابات الحادة إلى أكثر من 60% من مجموع كريات الدم البيضاء.
تبدأ عملية البلعمة بالانجذاب الكيميائي نحو العامل الغريب ويتم التحامه بالبلاعم بواسطة أرجلها الكاذبة (pseudopodia) حتى يتم احتواؤه داخل الخلية البلعمية، وأثناء ذلك يتم قتل العامل الغريب إن كان حيا نتيجة لإفراز بروكسيد الهيدروجين (H2o2) ومشتقاته. بعدها تبدأ عملية هضمه بواسطة أنزيمات تفرزها حبيبات موجودة في الهيولي (Cytoplasm) ثم يتم عرض جزيئاته على سطح الخلية البلعمية لتتعرف على تركيبه الخلايا اللمفاوية وهكذا تتخلص البلاعم من العوامل المعادية.
7ـ الخلايا القاتلة: تعمل الخلايا القاتلة على قتل الخلايا المعادية الكبيرة التي لا تستطيع البلاعم التهامها بسبب كبر حجمها مثل خلايا الجسم المصابة بأحد الفيروسات الممرضة والخلايا السرطانية. وهناك نوعان من الخلايا القاتلة تعملان بنشاط أثناء المناعة الفطرية هما:
ـ خلايا طبيعية قاتلة (Natural Killer cells) وهي أكبر الخلايا اللمفاوية وذات حبيبات كثيرة تحتوي إنزيمات تعمل على اختراق الغشاء الخلوي للخلايا المعادية مما يسبب تحللها وموتها، وتعمل الخلايا القاتلة الطبيعية دون تنشيط ولا تتحول إلى نوع آخر من الخلايا.
ـ خلايا حامضية الاصطباغ:
وهي متخصصة في قتل الديدان التي تصيب الجسم مثل دودة البلهارسيا عن طريق التصاقها على سطح الدودة ومن ثم إفراز إنزيمات تتفاعل مع الدودة لتقضي عليها.
ثانياً ـ المناعة النوعية
(Specific Immenity): هي قدرة الجسم على إنشاء مناعة خاصة قوية وتامة ضد جميع العوامل الغازية للجسم كل على حدة، وتسمى أيضاً المناعة المكتسبة (Acquired Immenity) وهي المناعة التي يكتسبها الجسم نتيجة لتفاعل الجهاز المناعي مع عامل خارجي اخترق دفاعات الجسم واحتل الأنسجة وربما سبب مرضاً ظاهراً مثل الميكروبات الفتاكة والفيروسات والسموم، والأنسجة الغريبة من الحيوانات الأخرى.
وتتكون هذه المناعة من النسيج الليفاوي والخلايا اللمفاوية التي تنتج الأجسام المضادة، ومن الخلايا اللمفاوية المتخصصة للقضاء على كل ميكروب غازي للجسم حسب تركيبه ووصفه.
الخلايا اللمفاوية.. السلاح المتخصص
تمثل الخلايا الليمفاوية السلاح الأكثر تخصصا، والمعد لكل نوع من أنواع الغزاة بخصائصه المميزة أو سمومه الفتاكة، وتعتبر السلاح الدفاعي الحاسم في حلبة الصراع ولنتعرف على هذه الخلايا ونرى كيف تعمل بصورة متخصصة لكل كائن غريب يوجد داخل الجسم.
هناك نوعان من الخلايا اللمفاوية المتخصصة: الخلايا البائية، والخلايا التائية
1ـ الخلايا البائية: (B. Lymphocytes) تتكون الخلايا البائية في نخاع العظام وتبقى فيه إلى أن يكتمل نموها وتصبح خلايا فعالة ثم تنتشر في أجزاء الجسم المختلفة، وتتركز في الدم والطحال واللوزتين والعقد الليمفاوية لتشارك بعد إثارتها في مهاجمة الأجسام الغريبة وذلك بإنتاج الأجسام المضادة والتي تعرف بالأجسام المناعية.
2ـ الخلايا التائية: (T. Lymphocytes) تتكون الخلايا التائية في نخاع العظام ثم تتركه قبل أن يكتمل نموها وتتجه إلى الغدد الصعترية ـ بواسطة مواد جاذبة معينة تفرزها هذه الغدة ـ وتبقى فيها حيث يتم انقسامها ويكتمل نموها، ومن ثم تتركها وتنتشر في أجزاء الجسم المختلفة لتشارك في عمليات جهاز المناعة. وتنقسم الخلايا التائية الناضجة إلى ثلاثة أنواع رئيسة، لكل منها وظائف محددة هي:
أـ الخلايا التائية المساعدة Th Helper. T cells تقوم هذه الخلايا بوظائف عديدة وتساعد وظائف جهاز المناعة بعدة طرق أهمها: زيادة تنشيط الخلايا القاتلة والخلايا الكابحة والخلايا البائية. كما تقوم بتنشيط استجابة خلايا البلعمة لابتلاع الكائنات الغريبة، وذلك بإفراز عدد من المواد البروتينية تعرف بمحفزات الخلايا مثل الإنترلوكين والإننترفيرون التي تساعد على انقسام ونمو وتكاثر الخلايا المختلفة لجهاز المناعة وتنشيطها حتى تصبح في حالة تأهب دائم للمشاركة في عملية الدفاع عن الجسم. وتحمل هذه الخلايا دلالات سطحية عبارة عن جليكوبرتينات ملتصقة بغشائها الخارجي ويرمز لها بأرقام مختلفة للتمييز بين أنواعها العديدة التي تميزها عن باقي أنواع خلايا (ت) الأخرى.
ب ـ الخلايا القاتلة أو المحللة للخلايا Keller cells - Cytoxic cells (Tc تساعد الخلايا القاتلة الجهاز المناعي على مواجهة وتحطيم الخلايا المصابة بالفيروسات والخلايا السرطانية، وتتميز الخلايا القاتلة بسهولة تنشيطها بمواد تفرزها خلايا (ت) الليمفاوية المساعدة فتحولها إلى خلايا قاتلة منشطة، ويوجد على جدر هذه الخلايا جزيئات مستقلة بأشكال مختلفة
ـ مثل الأجسام المضادة ـ وتتعدى هذه الجزيئات 100 ألف مستقبل على جدار كل خلية، تتحد بقوة مع جزيئات الغازي ولا تتركه حتى يتم التخلص منه، وتهاجم الخلايا القاتلة الخلايا الغريبة مباشرة، ولديها القدرة على قتل الكائنات الدقيقة من خلال إفراز مواد قلوية سامة مصنعة في هذه الخلايا ـ تتجه مباشرة للخلية المهاجمة ـ وتستطيع كل خلية قاتلة أن تهاجم كائنات دقيقة عديدة ومختلفة واحداً تلو الآخر، كما أن لها دوراً هاماً في تحطيم الخلايا السرطانية، أو أي نوع آخر من الخلايا الغريبة على الجسم. وتترك الخية القاتلة الخلية المصابة ـ قبل قتلها كلية ـ لتموت وحدها وتبحث عن خلايا أخرى مصابة لتلتحم بها وتبدأ في قتلها، وهكذا حتى يتم التخلص من جميع الغزاة والكائنات الغريبة.
ج ـ الخلايا الكابحة Cells Ts. Suppressor تكبح هذه الخلايا نشاط الخلايا القاتلة والخلايا المساعدة ـ بعد انتهاء المعركة مع الغازي ـ وذلك بإفراز عدد من المواد المثبطة التي تؤثر عليها وتحولها من الحالة الفعالة أو النشطة إلى الحالة الطبيعية الخامة في نهاية فترة الالتهاب. وترجع الحال إلى الوضع الطبيعي، حتى لا تستمر تفاعلات ونشاط جهاز المناعة فيدمر الجسم ذاته. وقبل شرح آلية عمل خلايا المناعة النوعية لا بد لنا أن نتعرف على ثلاثة مصطلحات مهمة وهي: المستضدات Antigens المستضدات هي أجزاء من الميكروب المهاجم أو الجسم الغريب، توجد إما في جدار الخلية (في حالة البكتريا) وإما في الغشاء الخارجي للفيروس. وتعمل المستضدات على إثارة أو حث الجهاز المناعي لإنتاج الأجسام المضادة المطلوبة للقضاء على الميكروب أو الجسم الغريب. الأجسام المضادة Antibodies
والأجسام المضادة عبارة عن جلوبيولينات مناعة تتفاعل مع المستضدات خلال مراحل القضاء على الجسم الغريب الذي يغزو جسم الإنسان أو الحيوان. وكل جسم مضاد يرتبط بالمستضد (Antigen) المشابه له تماماً والذي تسبب في تشكله، ولكما كان الشبه قوياً كان الترابط قوياً.
والأجسام المضادة في أبسط صورها عبارة عن مركبات بروتينية مكونة من أربع وحدات أو سلاسل ببتيدية خفيفة وثقيلة يبلغ طول الواحدة منها حوالي مائة حامض نووي وتتشكل على هيئة الحرف واي (Y)، ولكل جسم مضاد مستضد خاص يعمل معه وفق شفرة خاصة دون غيره مثلما يحدث للقفل والمفتاح.
وبسبب كثرة تنوع الترتيب الكيميائي الذري لسلاسل الثقيلة والخفيفة فإن الأجسام فإن الأجسام المضادة تأتي على أشكال مختلفة قد يصل عددها في الجسم إلى أكثر من بليون جسم مضاد،
وتوجد خمسة أنواع من الأجسام المضادة تبعاً لنوعا السلسلة الثقيلة والحجم وتركيب الأحماض الأمينية وذلك كما يلي: Igm , IgG , Ig.A , igD , and IgE أهم هذه المجموعات مجموعة جلوبيولين المناعة (ج) IgG إذ تشكل 75% من الأجسام المضادة في الشخص العادي، وتوجد بين الأنسجة وتنتقل عبر المشيمة من الأم للجنين، أما مجموعة جلوبيولين المناعة (م) Igm فتشارك بكميات كبيرة في الاستجابة الأولية لإنتاج الأجسام المضادة، وتوجد فقط في الدم ولا تنتقل عبر المشيمة لكبر حجمها. وتحمي الأجسام المضادة الجسم البشري من الكائنات الغازية بطريقتين: إما بمهاجمة مباشرة للغازي، أو تنشيط نظام المتمم الذي يدمر الغازي.
ارتباط المستضد بالجسم المضاد:
يرتبط الجسم المضاد بالمستضد بأحد الروابط الكيميائية الأربعة المعروفة وهي الرابطة الهيدروجينية أو الرباطة الكهروستاتيكية أو رابطة فاندر والز أو الرابطة النافرة للماء، ويأتي شكل موقع الالتصاق مع الجسم المضاد على شكل مقعر، لذلك وجب على موقع الاتحاد في البروتين الفيروسي (المستضد) أن يكون ذو شكل محدب حتى يتم الاتحاد بصورة فعالة.
كيف تعمل خلايا المناعة وتحدث الاستجابة المناعية؟
تتعاون وتتفاعل خلايا جهاز المناعة بأنواعها المختلفة بعضها مع بعض لمواجهة ومحاربة الأجسام الغريبة التي تحاول دخول جسم الإنسان، وتبدأ عملية المواجهة بقيام الخلايا الملتهمة (البلعميات) بالتهام وابتلاع الأجسام الغريبة وتكسيرها وإعادة عرضها على سطح الخلية مرة أخلى في صورة مواد بروتينية بسيطة لتقديمها إلى الخلايا الليمفاوية المساعدة (ت) التي تتحد بها، وينتج عن ذلك الاتحاد قيام خلايا (ت) بإفراز محفزات الخلايا التي تعمل على تنشيط خلايا جهاز المناعة المختلفة، لكي تشارك ـ حسب دور ووظيفة كل نوع ـ في درء الخطر عن الجسم. وعلى سبيل المثال تقوم كل من خلايا (ت) المحللة،
والخلايا القاتلة والخلايا القاتلة الطبيعية بالتعرف على الخلايا المصابة في الجسم ـ بما يوجد داخلها من أجسام غريبة ـ وتدميرها. وتقوم خلايا الدم البيضاء المحببة بأنواعها الثلاثة (متعادلة، حامضية، وقاعدية الاصطباغ) عند تنشيطها بإفراز إنزيمات مختلفة تعمل على استدراج واستقطاب خلايا جهاز المناعة إلى مكان الالتهاب. كما تؤدي محفزات الخلايا إلى تنشيط خلايا (ب) الليمفاوية وحثها على الانقسام والتكاثر وإفراز الأجسام المضادة المختلفة التي تسهل ـ عند اتحادها مع الأجسام الغريبة ـ عملية ابتلاعها بواسطة الخلايا الملتهمة، كما تعمل تلك الأجسام المضادة على تنشيط الجهاز المتمم الذي يعمل على تحلل الأجسام الغريبة.
ومما يجد ذكره أن كل خلية ليمفاوية (ب) أو (ت) تحمل على سطحها مستقبلاً خاصاً يمكنها من التعرف على جسم غريب واحد فقط، ويتكون المستقبل في خلايا (ب) من أجسام مضادة من جلوبيولين المناعة (م) و (د)، بينما يتكون في خلايا (ت) من سلسلتين ببتيديتين. وعند دخول أي جسم غريب على جسم الإنسان تنشط الخلايا الليمفاوية (ب) و (ت) التي تحمل فقط المستقبل الخاص لذلك الجسم، وتتعرف عليه وتلتحم به شكل (7) وتتكاثر بالانقسام وتكون جيشاً كبيراً من الخلايا المناعية. أما باقي الخلايا الليمفاوية الأخرى التي تحمل مستقبلات مختلفة فلا تقوم بالمشاركة في عملية الدفاع، وتبقى إلى أن يأتي الجسم الغريب الذي يتفق مع مستقبلها. وتنتشر الأجسام المضادة والخلايا المتخصصة في الدم والأنسجة وتظل لفترة طويلة تصل لعدة شهور أو سنوات.
خلايا المعلومات في جهاز المناعة:
تتكون أثناء حدوث الاستجابة المناعية وتكاثر خلايا المناعة خلايا خاصة من الخلايا اللمفاوية البائية والتائية تسمى خلايا الذاكرة تخزن في داخلها كل المعلومات التفصيلية والدقيقة عن الكائن الغازي للجسم بعد القضاء عليه، فخلايا الذاكرة (Memory B Iymphocytes) B تتكون من بعض الخلايا البائية (Iymphocytes B) بعد تنشيطها، وهي تسبح في كل الجسم وتظل ساكنة فيه حتى تنبه مرة ثانية بنفس المستضد في إصابة تالية، فتسارع إلى تنشيط الخلايا الليمفاوية البائية لإنتاج الأجسام المضادة بكميات كبيرة وبصورة سريعة. أما خلايا الذاكرة Iymphocytes) Memory T ) T فتتكون من الخلايا التائية المنشطة وتحفظ في النسيج الليمفاوي في كل الجسم، وعندما يتعرض الجسم لنفس الغازي تنشط مرة أخرى ـ وبسرعة ـ الخلايا التائية المتخصصة، وينتج منها كميات كبيرة وبصورة أسرع، مثلما يحدث في خلايا الذاكرة B . وبهذا يحمي الجسم من أخطار الكم الهائل من الكائنات الدقيقة والأجسام الغريبة التي تغزو الجسم على مدار الساعة. وهذا هو الأساس الذي تقوم عليه فكرة اللقاح والتطعيم.
2ـ الأبحاث العلمية:
ينتمي نبات النيجيللا ساتيفا Nigella sativa لفصيلة النباتات الشقيقية ومن الأسماء المتواترة لهذا النبات: الحبة السوداء، الكراوية السوداء، الكمون الأسود، شونيز، كالااجاجي كالدودة، جيراكا، كاز، كارزنا. وقد استعملت الحبة السوداء في كثير من دول اشرقين ـ الأوسط والأقصى ـ علاجا طبيعياً منذ أكثر من ألفي عام
وتم استخلاص مركب النيجيللون من زيت الحبة السوداء عام 1959م على يد الدخاخني وزملاؤه، وتحتوي بذور الحبة السوداء على 40% من وزنها زيتاً ثابتاًو 1.4% زيوتاً طيارة، وتحتوي على خمسة عشر حمضاً أمينياً، وبروتين وكالسيوم وحديد وصوديوم وبوتاسيوم، وأهم مركباتها الفعالة هي: الثيموكينون، والدايثيموكينون، والثيموهيدروكينون، والثيمول l (TQ) Thymoquinone (DTQ) dithymoquinone (THQ) thymohydroquinone and (THY) thymol
لم يتضح دور الحبة السوداء في المناعة الطبيعية حتى عام 1986م إلا بالأبحاث التي أجراها الدكتور القاضي وزملاؤه في الولايات المتحدة الأمريكية. ثم توالت بعد ذلك الأبحاث في شتى الأقطار وفي مجالات عديدة حول هذا النبات، غير أن الذي يهمنا في هذا البحث هو أثر الحبة السوداء على جهاز المناعة وسنعرض خلاصة لهذه الأبحاث ممثلة في بحث القاضي ثم الأبحاث التطبيقية التي جاءت بعده وأكدت نتائج بحثه.
يتيع ان شاء الله