صيام الست من شوال سنة ثابتة وشرعية ماضية
د . عبد الله بن راضي المعيدي الشمري
almoaede@hotmail.com الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين...
أما بعد : فإن من أعظم نعم الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن شرع لها أعمالاً تضاعف بها أجورها وتزاد بها حسناتها وإن من تلك الإعمال صيام الست من شوال فقد صح في مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر" وهذا أمر ليس بخاف على أحـــد لديه أدنى علم ولكن ما دعاني لكتابة هذه الكلمات ما صدرت في مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية للكاتب الأخ نجيب يماني وفقه الله حيث كتب مقالاً حول حكم صيام الست من شوال ... ذهب فيه إلى قول غريب وعجيب وارتقى فيه مرتقاً صعباً وخالف فيه جمهور العلماء بل العلماء قاطبة إلاّ خلافاً ضعيفاً ولو قيل انعقد الإجماع فيما بعد على خلافه لم يكن بعيداً وأنا أظن الأخ وفقه الله إنما يريد بهذا الخير .. ولكن ليس كل مريد للخير يصيبه والكلام هنا في النقاط التالية ..
أولاًُ: صيام الست من شوال سنة ثابتة بالحديث كما سيأتي وقال بهذا كثير وكثير من علماء الإسلام فهو مذهب احمد والشافعي وروى عن كعب الأحبار والشعبي وميمون بن مهران وغيرهم كثير قاله في المغني 4/ 438 .
ثانياً : هذه السنة ثابتة بالحديث الصحيح الثابت عند مسلم كما سبق والحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدا رمي وأحمد وعبد الرزاق والطيالسي والحميدي وابن أبي شيبة والطحاوي في مشكل الآثار وابن حبان والطبراني في الكبير والبيهقي والبغوي في شرح السنة والخطيب في تاريخ بغداد من حديث أبي أيوب الأنصاري .. والحديث صحيح صححه غير واحد من أهل الحديث وممن صححه النووي في شرح مسلم 8/ 238 وابن القيم في المنار المنيف ص 31 وفي تهذيب السنن 7/78 والشوكاني في نيل الأوطار 4/ 238 وغيرهم وحسنه الترمذي أيضاً 3 / 123 وأورده الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام ولم يتكلم عليه وهو الإمام البحر في الحديث ولكن اكتفي بهؤلاء الأئمة .. ولكن العجب كيف يزعم الأخ هداه الله أن الحديث ليس بثابت ؟! ثم أين يكون موقع الكاتب هداه الله بين هؤلاء الأئمة ؟!! هذه والله جرأة وقلة فقه وتصيد للشواذ .. وهذا يلحظ على الأخ فهو كثيراً مايتصيد شواذ الأقوال ويقوم بنشرها وهذا مسلك غير جيد وكلام أهل العلم من التحذير من تتبع الرخص وشواذ الأقوال معروف وهو دليل على اتباع الهوى وحب الظهور وقلة الفقه .. علماً أنّ الأخ كثراً مايدندن هو وجوب اتباع السنة ونعم ما أمر به ولكن حينما نجده يخالف السنة في ملبسه وظهره نصاب بنكسة وتناقض يكسو أقواله وأفعاله .. فكيف ينادي باتباع السنة وهو أول من يخالفها بحلق لحيته ؟! وهو الباحث الشرعي ؟!!
ثالثاً : اعتمد الكاتب في كلامه وتبديعه على أمرين :
أ) الكلام على إسناد الحديث والجواب عن هذا أن يقال أنه ليس كل حديث تُكِلم فيه يعد حديثا ضعيفاً فالحديث قد يكون له عدة طرق ولو صح من طريق لكفى في صحة إسناده كما هو حديثنا ثم أن الكلام في رجال الأحاديث له علم مستقل يحتاج لمتخصص في الحديث ورجاله قد قضى عمره مــع الأسانيد وهناك قواعد في الجرح والتعديل لا بد من الإحاطة بها وله مصنفات لا بد من الإلمام بها فهل الأخ قد تجاوز هذه المرحلة حتى يوازن بين كلام العلماء في الرجال فيأخذ بالراجح ؟!
أما انه ناقل فقط ؟! فإذاًُ عليه أن يتقي الله وأن يراقبه فيما يكتب وهو عند حسن الظن به إن شاء الله ...
ب ) اعتمد على كلام بعض العلماء وهما مالك وأبي حنيفة ولا شك أنهما عالمان جليلان ولكن الجواب على هذا هو ما قاله النووي رحمه الله في شرح مسلم 8/ 238 :" وإذا ثبتت السنة لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها وقولهم أنه قد يظن وجوبها ينتقض بصوم عرفة وعاشوراء وغيرهما من الصوم المندوب " أ . هـ . وقال الشوكاني في النيل 4 / 238 :" واستدل على ذلك أي كراهة صومها أنه ربما ظن وجوبها وهو باطل لا يليق بعاقل فضلاً عن عالم ... واستدل مالك : بما قال في الموطأ بأنه ما رأى أحداً من أهل العلم يصومها ولا يخفى أن الناس إذا تركوا العمل بالسنة لم يكن تركهم دليلاً ترد بــه السنة "
ويضاف إلى هذا ما قاله ابن عبد البر وهو العالم المالكي النحرير أن الحديث لم يبلغ مالكاً انظر سبل السلام 2/ 340 .
خامساً : أن على الكاتب وفقه الله بل وعلى الكتاب جميعاً أن يتقو الله تعالى فيما يكتبون وأن يعلموا أنهم مسؤلين بين يدي الله تعالى وأن يحذروا كل الحذر من الكلام في أمور ربما ليست من اختصاصهم وأن يتركوا الكلام في الشريعة لأهلها وأن يحذروا من تصيد أخطاء العلماء وتتبع الخلاف [ فإن لو أخــــذنا بكل خلاف لضاع الدين ولو أن أخذنا بكل قولٍ لما سلم للمرء دينه ] وذلك أنه لا يكاد توجد مسألة فقهية إلا وفيها خلاف فهل يترك المرء صلاة الجماعة لأن فيها خلاف ويظهر محاسن زوجته لأن في المسألة خلاف بل هل يشرب الخمر لأن هناك كلام لبعضهم في ماهيته ؟!!... هذا هو ما يُلزم به الكاتب بل هذا ما يريده بعض الكُتاب هداهم الله ..يقول احد السلف من تتبع الرخص رق دينه.
والأمر يحتاج لبسط أكثر وصيام الست سنة لا يشنّع على تاركها لكن كونه يبدع فاعلها فالأمر خطير ولم يقل بقول الكاتب أحدٌ من العلماء قاطبة !!
سادساً : ألم يفكر الكاتب أنه بفعله هذا قد صد كثير من المسلمين عن هذه السنة ..فماذا يقول لربه يوم القيامة ؟! وقد سألني أكثر من واحد هل يصوم الست أم لا بناءً على كلام الكاتب هداه الله ...
سابعاً : وأخيراً أسأل الله لي وللكاتب وللمسلمين التوفيق والسداد وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح وأن يلهمنا الصواب ؛ثم الدعاء والشكر موصل للجريدة المدينة والعاملين بها وعلى وجه الخصوص الأخ عبدالعزيز قاسم وفقه الله ، والله تعالى أعلم وأحكم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
----
(صيام الست سنة لا بدعة)
د.صالح العصيمي التميمي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أثار بعض الفضلاء في بعض القنوات الفضائية قضية صوم الست من شوال ونص على بدعيتها وحذر من صيامها استنادًا على بعض الأمور الواهية وأحب أن أبين هنا، بأن صيام الست ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، بما لا يدع مجالاً للشك والريبة، ويكفي في قبوله أن مسلماً قد أخرجه في صحيحه، الذي تلقته الأمة بالقبول, فكيف وقد أخرجه معه جمع من الأئمة الأعلام وحفاظ الإسلام ، وسوف أحاول في مقالي هذا أن أورد بعض ألفاظ الحديث ومن أخرجها من الأئمة، كما سوف أتطرق فيه لأقوال أهل العلم في حكم صومه فأقول وبالله التوفيق.
أولاً : الحديث ورد من طرق عدة:
1- فلقد أورده مسلم من طريق يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد وعلي بن حجر وابن نمير عن أبيه وأبو بكر ابن أبي شيبة كلهم من طريق سعد بن سعيد عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من صام رمضان، ثم أتبعه بست من شوال، كان كصيام الدهر) ([1]) .
2- كما أخرجه الإمام أحمد -رحمه الله- في مسنده من طريق أبي معاوية عن سعد بن سعيد بنحوه إلا أن في آخره (فذلك صيام الدهر) ([2]) .
3- كما أخرجه أحمد في المسند من طريق محمد بن جعفر عن سعد بن سعيد أيضًا بلفظ (من صام رمضان وستاً من شوال، فقد صام الدهر) ([3]) .
4- وأخرجه أحمد أيضًا من طريق ابن نمير عن سعد بن سعيد أيضًا وفي آخره (فذاك صيام الدهر) ([4]) .
5- كما أخرجه أبو داود حديث رقم 2433 والترمذي حديث رقم 759، والنسائي في الكبرى حديث رقم 2860و 2861 في 2/2862 و 2/163 وابن ماجه حديث 1716.
وغيرهم من أهل العلم,ومدار الحديث على سعد بن سعيد, وسعد بن سعيد كما سبق أخرج له الإمام مسلم في صحيحه , ولا يخفى على مسلم مكانة صحيح الإمام مسلم -رحمه الله- ومع ذلك فقد اختلف في سعد بن سعيد ابن قيس الأنصاري -رحمه الله- أخو يحيى بن سعيد الانصاري- رحمه الله-حيث ضعفه بعض أهل العلم كالإمام أحمد وغيره. قال الترمذي -رحمه الله- حديث أبي أيوب حديث حسن صحيح, ثم قال وسعد بن سعيد قد تكلم به بعض أهل الحديث من قبل حفظه ([5]) وقال المزي في تهذيب الكمال قال يحيى بن معين أنه ضعيف وفي رواية أنه صالح .
وقال محمد بن سعد : كان ثقة, قليل الحديث , وقال النسائي : ليس بالقوي ,وقال عبدالرحمن بن أبي حاتم : سمعت أبي يقول : سعد بن سعيد الأنصاري مؤدي يعني أنه : كان لا يحفظ ويؤدي ما سمع , وقال أبو أحمد بن عدي : له أحاديث صالحة تقرب من الاستقامة ,ولا أرى بحديثه بأساً بمقدار ما يرويه , وذكره ابن حبان في كتاب الثقات وقال : كان يخطئ ([6]).
وقال الطحاوي -رحمه الله- بعد أن سرد روايات الحديث [فكان هذا الحديث مما لم يكن بالقوي في قلوبنا لما سعد بن سعيد عليه في الرواية عند أهل الحديث، ومن رغبتهم عنه، حتى وجدناه قد أخذه عمن قد ذكرنا أخذه إياه عنه من أهل الجلالة في الرواية والثبت فيها، فذكرنا حديثه لذلك غير أن محمد بن عمرو حدث به مرة عنه، ومرة عن شيخه الذي حدث به عنه وهو عُمر بن ثابت، وممن حدث به أيضًا قُرة بن عبد الرحمن وعسى أن يكون سِنُّهُ كَسِنِّهِ ] ([7]) فانظر إلى عظم علم هذا الإمام كيف قبل بالحديث اعتماداً على قبول أولئك العلماء الذين رووه عنه .
وقال الطحاوي : قال الحميدي قلت لسفيان – أو قيل له – إنهم يرفعونه. قال: اسكت قد عرفت ذلك ([8]) .
قلت : والحديث ورد من طريق آخر فعن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان فشهر بعشرة أشهر، وصيام ستةٍ أيام بعد الفطر فذلك تمام صيام السنة) أخرجه أحمد عن الحكم بن نافع من طريق ابن عياش ([9]) , وقال شعيب عن سند المسند والإسناد حسن من أجل إسماعيل بن عياش وقد توبع([10]) .
قال أبوحا تم: أخرجه النسائي في الكبرى انظر حديث 2860، 2861، وأورده ابن ماجه انظر حديث 1715، والطحاوي في مشكل الآثار انظر: 6/125 أحاديث 2348، 2349، وغيرهم من أهل العلم كلهم من طريق يحيى ابن الحارث الذماري، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه عن يحيى جماعة منهم صدقة بن خالد، وإسماعيل بن عياش، ويحيى بن حمزة، ومحمد بن شعيب، والوليد بن مسلم ، وخالفهم: مروان الطاطري، فرواه عن يحيى بن الحارث، عن أبي الأشعث، عن شهداد بن أوس، قال أبو حاتم رحمه الله وحديث ثوبان الصحيح: يحيى بن الحارث، سمع أبا أسماء، عن ثوبان به عن النبي صلى الله عليه وسلم ([11]) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – الحديث أخرجه مسلم في صحيحه.
وقد جمع الدمياطي طرقه . وفي الباب عن جابر رواه أحمد بن حنبل وعبد بن حميد والبزار وعن ثوبان أخرجه النسائي وابن ماجه وأحمد والدارمي والبزار، وعن أبي هريرة رواه البزار ومن طريق زهير أيضًا عن سهيل عن أبيه عنه وأخرجه أبو نعيم من طريق المثنى بن الصباح في الضعفاء عن المحرر بن أبي هريرة عن أبيه، ورواه الطبراني في الأوسط من أوجه أخرى ضعيفة، وعن ابن عباس أخرجه الطبراني في الأوسط أيضًا وعن البراء بن عازب أخرجه الدراقطني. ([12]) .
قال الصنعاني رحمه الله (واعلم: أنه قال: التقي السبكي: إنه قد طعن في هذا الحديث من لا فهم له مغترًا بقول الترمذي: إنه حسن يريد في رواية سعد بن سعيد الأنصاري أخي يحيى بن سعيد.
قلت: (الصنعاني) ووجه الاغترار أن الترمذي لم يصفه بالصحة بل بالحسن.
وقد قال ابن السبكي: اعتنى شيخنا أبو محمد الدمياطي بجمع طرقه فأسنده عن بضعة وعشرين رجلاً رووه عن سعد بن سعيد وأكثرهم حفاظ ثقات منهم السفيانان وتابع سعدًا على روايته أخوه يحيى وعبد ربه وصفوان بن سليم وغيرهم، ورواه أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم ثوبان وأبو هريرة، وجابر وابن عباس والبراء بن عازب،وعائشة ([13])
وفي الجملة فالحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم بطرق عدة، وما أردتُّ في هذه المقالة استيفائها وإنما الإشارة إلى طرق منها حتى يتبين لمن نفى سُنيتها.
ثانيًا: أقوال أهل العلم في المسألة:
يجدرُ بطالب العلم أن يكون مستنده كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يعارضهما . بقول أحد مهما بلغ قدره ومكانته فالرجال يُستدل لأقوالهم لا بأقوالهم، هذا أمرٌ متفق عليه عند أهل العلم فلا نزاع فيه, وهذه المقدمة لابد منها من قبل بيان هذه المسألة, فصيام الست ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعامة أهل العلم قد اتفقوا على سنيته وإليك نماذج من أقوالهم:
(1) قال الترمذي -رحمه الله- بعد إيراده للحديث وقد استحب قومٌ صيام ستة أيام من شوال بهذا الحديث . قال ابن المبارك هو حسن , هو مثل صيام ثلاثة أيام من كل شهر واختار ابن المبارك أن تكون هذه الستة في أول الشهر ,وإن صامها متفرقة فهو جائز ([14]).
(2) قال ابن قدامة وصيام ستة أيام من شوال مستحب عند كثير من أهل العلم روي ذلك عن كعب الأحبار ، والشعبي، وميمون بن مهران، وبه قال الشافعي، وكرهه مالك: ثم قال رداً على قول مالك ولنا ما روى أبو أيوب ثم ذكر الحديث ثم قال: قال أحمد –مستدلاً على صحة الحديث-: هو من ثلاثة أوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم شرع في الحديث عن فضيلة صومه ([15]) .
(3) قال النووي عند شرحه للحديث (من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر) فيه دلالة صريحة لمذهب الشافعي وأحمد وداود وموافقيهم في استحباب صوم هذه الستة ([16]) .
وقال أيضًا: ودليل الشافعي وموافقيه هذا الحديث الصحيح الصريح, وإذا ثبتت السنة لا تترك لترك بعض الناس, أو أكثرهم أو كلهم لها, وقولهم – أي من كره صيام الست- قد يظن وجوبها ينتقض بصوم عاشوراء وعرفة وغيرها من الصيام المندوب([17]) .
(4) قال شيخ الإسلام في شرح العمدة في الفقه: وكان أحمد ينكر على من يكرهها, كراهة أن يلحق برمضان ما ليس منه، لأن السنة وردت بفضلها والحض عليها، ولأن الإلحاق إنما خيف في أول الشهر، لأنه ليس بين رمضان وغيره فصل، وأما في آخره فقد فصل بينه وبين غيره يوم العيد، وكان نهيه صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم العيد وحده دليلاً على أن النهي مختص به، وأن ما بعده وقت إذن وجواز، ولو شاء؛ لنهى عن أكثر من يوم([18]).
(5) وقال الشوكاني: وقد استدل بأحاديث الباب على استحباب صوم ستة أيام من شوال، وإليه ذهب الشافعي وأحمد وداود وغيرهم، وبه قالت العترة ([19]) .
(6) قال الصنعاني بعدما ذكر حديث أبي أيوب وفي هذا دليل على استحباب صوم ستة أيام من شوال ([20]) .
(7) قالت اللجنة الدائمة: صيام الست من شوال رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وهذا حديث صحيح يدل على أن صيام ستة أيام من شوال سنة وقد عمل به الشافعي وأحمد وجماعة من الأئمة والعلماء، ولا يصح أن يقابل هذا الحديث بما يعلل به بعض العلماء لكراهة صومها من خشية أن يعتقد الجاهل أنها من رمضان، أو خوف أن يظن وجوبها أو بأنه لم يبلغه عن أحد ممن سبقه من أهل العلم أنه كان يصومها، فإنها من الظنون وهي لا تقاوم السنة الصحيحة ومن علم حجة على من لم يعلم. ([21]) .
(
وقال العلامة ابن عثيمين : يسن صوم ستة أيام من شوال وقد استدل بحديث أبو أيوب عند مسلم ([22]) .
والخلاصة: أن القول بسنية صيامها هو قول عامة أهل العلم من أئمة الحديث وعلماء الفقه في المذاهب الأربعة للأحاديث الصحيحة الصريحة والتي لا ينبغي العدول عنها.
ثالثًا: من أنكرها من أهل العلم مع بيان حجته والرد عليها:
ورد عن بعض السلف كراهية صوم الستة من شوال وعدها بدعة ولم يتطرق أحدٌ ممن أنكرها للأحاديث التي وردت بفضلها لا تصحيحًا ولا تضعيفًا مما يدل على عدم بلوغ هذه الأحاديث إليهم ,فلو بلغتهم ما أنكروها لعظم قدر الحديث عندهم, وقد نقل عن مالك وأبي حنيفة كراهيتها .
قال مالك رحمه الله: إنه لم ير أحد من أهل العلم والفقه,والفضل يصومها, ولم يبلغه ذلك عن أحد من السلف، وإن أهل العلم كانوا يكرهون ذلك، ويخافون بدعيته. وأن يُلحق برمضان أهل الجفاء، وأهل الجهالة ما ليس فيه، ولو رأوا في ذلك رخصة من أهل العلم. ورأوهم يعملون ذلك ([23]) .
وقد اعتذر أهل العلم للإمام مالك رحمه الله بأنه لم يبلغه الحديث والدليل على ذلك أنه قال أنه لم يبلغه عن أحد من أهل العلم أنه صامها:
أ – قال ابن عبدالبر رحمه الله: لم يبلغ مالك حديث أبي أيوب ، على أنه حديث مدني, والإحاطة بعلم الخاصة لا سبيل إليه, والذي كرهه له مالك أمر قد بينه وأوضحه, وذلك خشية أن يضاف إلى فرض رمضان وأن يستبين ذلك إلى العامة وكان رحمه الله متحفظًا كثير الاحتياط للدين.
وأما صيام الستة أيام من شوال على طلب الفضل، وعلى التأويل الذي جاء به ثوبان رضي الله عنه فإن مالكًا لا يكره ذلك إن شاء الله لأن الصوم جُنة ، وفضله معلوم لمن رد طعامه وشرابه وشهوته لله تعالى وهو عمل بر وخير، وقد قال الله: افعلوا الخير ومالك لا يجهل شيئًا من هذا، ولم يكره من ذلك إلا ما خافه على أهل الجهالة والجفاء، إذا استمر ذلك، وخشي أن يعدوه من فرائض الصيام مضافًا إلى رمضان، وما أظن مالكًا جهل الحديث، والله أعلم، لأنه حديث مدني انفرد به عمر بن ثابت ، وقد قيل: أنه روى عنه مالك, ولولا علمه به ما أنكره، وأظن الشيخ عمر بن ثابت لم يكن عنده ممن يعتمد عليه ، وقد ترك مالك الاحتجاج ببعض ما رواه عن بعض شيوخه إذا لم يثق بحفظه ببعض ما رواه، وقد يمكن أن يكون جهل الحديث، ولو علمه لقال به والله أعلم. أ. هـ ([24]) فهذا ابن عبد البر وهو من كبار أتباع الإمام مالك وشارح موطأه قد اعتذر لمالك ولم يتابعه في هذه المسألة ,بل هذا ابن رشد الحفيد أحد المالكية المعروفين يعتذر لمالك أيضاً فيقول : وأما الست من شوال فقد ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن مالكاً كره ذلك إما مخافة أن يلحق الناس برمضان ما ليس في رمضان وإما لأنه لعله لم يبلغه الحديث أو لم يصح عنده وهو الأظهر([25]) .
ب – قال النووي رحمه الله: إذا ثبتت السنة لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها, وقولهم قد يظن وجوبها ينتقض بصوم عرفه وعاشوراء وغيرها من الصوم المندوب([26]) .
جـ - كما رد ابن قدامة على هذا القول بحديث أبي أيوب وحديث ثوبان ([27]) .
د – قال شيخ الإسلام: وكان أحمد ينكر على من ينكرها ... إلخ ([28]) .
و – قال الصنعاني: بعدما أورد قول مالك أنه بعد ثبوت النص بذلك لا حكم لهذه التعليلات ثم اعتذر لمالك بقول ابن عبدالبر ([29]) .
هـ - وقال الشوكاني: ردًا على ما نقل عن أبي حنيفة ومالك بكراهية صومها, واستدلا على ذلك بأنه ربما ظن وجوبها. فقال رحمه الله: وهو باطل لا يليق بعاقل، فضلاً عن عالم نصب مثله في مقابلة السنة الصحيحة الصريحة، وأيضًا يلزم مثل ذلك في سائر أنواع الصوم المرغب فيها ولا قائل به ([30]) .
ح – قالت اللجنة الدائمة: ولا يصح أن يقابل هذا الحديث بما يعلل به بعض العلماء لكراهة صومها من خشية أن يعتقد الجاهل أنها من رمضان، أو خوف أن يظن وجوبها أو بأنه لم يبلغه عن أحد ممن سبقه من أهل العلم أنه كان يصومها فإنه من الظنون، وهي لا تقاوم السنة الصحيحة. ومن علم حجة علة من لم يعلم ([31]) .
خ – قال العلامة ابن عثيمين: كره بعض العلماء صيام أيام الستة كل عام مخافة أن يظن العامة أن صيامها فرض ، وهذا أصل ضعيف غير مستقيم لأنه لو قيل به لزم كراهة الرواتب التابعة للمكتوبات، أن تصلى كل يوم وهذا اللازم باطل وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم والمحذور الذي يخشى منه يزول بالبيان ([32]) .
وقال في بدائع الصنائع: قال أبو يوسف كانوا يكرهون أن يتبعوا رمضان صومًا خوفًا أن يلحق ذلك بالفريضة وكذا روي عن مالك .والإتباع المكروه هو أن يصوم يوم الفطر ويصم بعده خمسة أيام فأما إذا أفطر يوم العيد ثم صام بعده ستة أيام فليس بمكروه بل هو مستحب وسنة ([33]) .
فأنت تلحظ هنا أن أتباع مالك وأبو حنيفة التمسوا الأعذار لهؤلاء الأئمة فتارةً يعتذرون بعدم وصول الحديث إليهم, وهو الأقرب ,وتارةً يفسرون الكراهية فيمن يعتقدون الوجوب, وتارةً يحملون قولهم على من وصل الست برمضان بدون فصل فصام يوم العيد. فلم نر أحداً منهم قلد هؤلاء الأئمة ورد الحديث, بل نصوا على السنية واعتذروا لسلفهم ,فهل سلك من أثار هذه القضية بين الناس هذا المسلك الطيب.
كما أن على من أثار هذا القول المخالف للسنة الرجوع إلى الحق وما استقرت عليه الأمة من سنية صيام الست وأظنه بحول الله راجع إلى الحق, كما يعتذر له بعدم معرفته بالأدلة وإنما اطلع على قول مالك – رحمه الله – فقط مع إن من الواجب عليه استقصاء المسألة قبل الخوض فيها غفر الله للجميع .
رابعا: إن من الخطأ أن ينبري طالب علم عبر وسائل الإعلام لإثارة هذه الضجة والشوشرة والإثارة وتبديع السلف والخلف ومعارضة الأدلة الصحيحة بدون سند شرعي خاصةً وأن لفظ التبديع وسلوك منهجه بدون دليل من الأمور التي حذّر منها أهل العلم والبدعة عرفها العلماء بعدة تعريفات فهناك من عدها فعل لم يعهد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ([34]) وصيام الست سنة عنه صلى الله عليه وسلم فكيف تجعل بدعة؟
وهناك من ذهب إلى أن البدعة كل أمر خالف السنة لأنها طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة، بأن يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه ([35]) .فهل يعد صيام الست من ذلك ؟ اللهم إنا نبرأ إليك من هذا القول .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: وقررنا في قاعدة السنة والبدعة: إن البدعة في الدين هي ما لم يشرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو ما لم يأمر به أمر إيجابي ولا استحباب. فأما ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب وعلم الأمر به بالأدلة الشرعية فهو من الدين الذي شرعه الله، وإن تنازع أولي الأمر في ذلك ([36]) وصيام الست شرعه النبي صلى الله عليه وسلم فيخرج عن دائرة البدعة ولله الحمد .
كما إن شيخ الإسلام هنا يبين أن تنازع العلماء في بعض الأمور التي وردت فيها السنة لا تعتبر بدعة وشنع رحمه الله في موطن آخر على من بدّع في أمور فعلها الصحابة حيث قال عن بعض أمور اجتهد فيها الصحابة: فإن هذا لما لم يكن مما يفعله سائر الصحابة، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم شرعه لأمته، لم يكن أن يقال هذا سنة مستحبة، بل غياته أن يقال هذا مما ساغ الاجتهاد الصحابة، أو مما لا ينكر على فاعله لأنه مما يسوغ فيه الاجتهاد، لا لأنه سنة مستحبة سنها الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته ([37]) .
فهل على الأقل جعل مثير هذا القول والداعي إليه مسألة صيام الست مما ساغ فيه الاجتهاد حتى ولو كان الاجتهاد في التصحيح والتضعيف للحديث، أولى من القطع بالبدعة والنهي عن هذه السنة على رؤوس الأشهاد فجعل بقوله المعروف منكرًا والسنة بدعة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وفي الختام أنصح نفسي وإخواني من طلبة العلم بالتريث في مثل هذه الأمور وعدم التشويش على الناس ومعرفة منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في التعامل مع العامة، والله الموفق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
قاله وكتبه
الدكتور/ صالح بن مقبل العصيمي التميمي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلا مية
المشرف على موقع الإسلام النقي
0555549291
S555549291@gmaih@.com
----------------------------------
([1]) انظر صحيح مسلم 1164 وما بعده.
([2] ) انظر المسند 38/514 حديث 23533
([3] ) انظر المسند 38/537 حديث رقم 23556
([4] ) انظر المسند 38/540 حديث 23561
([5] ) انظر سنن الترمذي ، حديث 759 مختصرًا.
([6] ) انظر تهذيب الكمال 10/262
([7] ) انظر شرح مشكل الآثار 6/121.
([8] ) انظر: شرح مشكل الآثار 6/122
([9] ) انظر : الموسوعة لمسند الإمام أحمد 37/94 حديث 22412.
([10] ) انظر: الموسوعة 37/94.
([11] ) انظر: علل الحديث 1/252.
([12] ) تلخيص الحبير (2/819)
([13] ) انظر سبل السلام 2/897- 898، وانظر للفائدة علل الدارقطني 6/117باختصار .
([14] ) انظر جامع الترمذي ص144
([15] ) انظر المغني 4/438
([16] ) انظر: المنهاج ص723.
([17] ) انظر المنهاج: ص723.
([18] ) الصيام من شرح العمدة لشيخ الإسلام 2/559
([19] ) نيل الأوطار 4/724.
([20] ) سبل السلام 2/897
([21] ) الفتاوى 10/390 برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن باز وعضوية عبدالله بن قعود، وعبدالرزاق عفيفي رحمهم الله، وعبدالله بن غديان حفظه الله.
([22] ) الشرح الممتع 6/465
([23] ) الموطأ 1/330
([24] ) الاستذكار 3/379.
([25] ) انظر بداية المجتهد 1/443.
([26] ) المنهاج ص723.
([27] ) المغني 4/438
([28] ) الصيام من شرح العمدة لشيخ الإسلام 2/559
([29] ) 2/897
([30] ) الشوكاني ، نيل الأوطار 4/724.
([31] ) الفتاوى10/1390
([32] ) الشرح الممتع 6/467
([33] ) بدائع الصنائع 2/125
([34] ) قواعد الأحكام 2/172. النهاية في تحرير الحديث 1/103، المنهاج ص1105
([35] ) الاعتصام للقاضي 1/50
([36] ) الفتاوى 4/107-108
([37] ) 1 / 281الفتاوى