الجنّة 3

موضوع: الجنّة 3 الأحد أبريل 13, 2014 11:23 pm

منازل السير إلى اليوم اللآخر

خلق الله تعالى الإنسان من ماهية فريدة , تختلف عن ماهية الملائكة والجانّ, فمن طينة الأرض ونفخة الروح تشكّل آدم عليه الصلاة والسلام , فإذا هو بشر سوي . ولإظهار فضله أسجد له ربّه ملائكته , وعلمه الأسماء كلها , وأدخله الجنّة , فلما عصى ربّه فيه اُهبط وزوجه إلى الأرض ومعهما الشيطان الذي أغواهما . وأخبر الله تعالى آدم أنّ بقاءه وزوجه في الأرض لمدة معلومة , يعودان بعدها إلى دارهما الأولى , ومعهما من صلح من ذرِّيتهما . وفي الأرض جرى الإختبار الكبير لبني آدم , واحتدم الصراع بينهم وبين الشيطان الذي أخذ على نفسه العهد أن يضلّهم عن الجنّة كما أضلّ أبويهما .

1) الإنتقال إلى دار الدنيا :

يخرجه طاهرا نقيا . مبرّأ من كل ّ ذنب وخطيئة , أو نقص وجريرة , سالما من ومع خروج ولد آدم إلى الوجود , ذكرا كان أم أنثى , تتجلى به رحمة ربّه , حيث العقائد الفاسدة , مفطورا على التوحيد, ثم لا يزال به ربّه ....يُمدّه بالقوى الظاهرة والباطنة التي تعينه على بقاء هذه الفطرة , ويكمّله بمكتسبات المعرفة , ويتمّها له طورا فطورا , حتى يتمكّن من تحصيل مقاصد السّير الطويل إلى ربّه , والثبات على الصراط الذي يؤول به إلى داره الاولى ... الجنّة . وربّه في جميع الاطوار يحفظه ويرعاه , ويهديه السبيل , ولا يتركه لعدوّه.. يرسل إليه الرسل بالآيات البينات , والكتب الواضحات , ويحبِّب إليه الطاعة ويرغبه فيها , ويبشره بما له عنده حال الثبات , ويحذِّره من سبل الشرك والمعصية وطرق الضلال التي تؤول به إلى دار البوار , فإذا بلغ سنّ التكليف وجرى عليه القلم إتّضح مسيره , وتحدد بحسب العمل مصيره.

2) عداوة الشيطان :

وما من عدوّ أشد على ذرية آدم من عداوة الشيطان الذي أخرج أبويهم من الجنّة , فهو لايزال حيّا بينهم , وسيظل إلى قيام السّاعة , ولا تتجاوز مهمّته إضلال بني آدم عن صراط الله المستقيم , وأخذ أكب قدر منهم إلى سواء الجحيم . والمعركة مع الشّيطان أطول وأشقّ مواجهة يخوضها البشر على الإطلاق , حيث بدأت فصولها منذ اليوم الأول لخلق أبيهم آدم عليه السلام , ولم تهدأ ساعة من الدّهر , كما لم تنحرف من غايتها الواضحة التي جلّاها الله تعالى لهم . قال الله عزّ وجلّ Sad

يأيها الناس إنّ وعد الله حقّ فلا تغرنّكم الحياة الدنيا ولا يغرّنكم بالله الغرور (5) إنّ الشّيطان لكم عدوّ فاتخذوه عدوا أنّما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ) :الحجر) وقال تعالى ( يابني آدم لا يفتننّكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنّة) : الأعراف :27).

وأثر العهد الشّيطاني إنّما يقوى في ذرية آدم بقدر غفلتهم عن السّير إلى دارهم الأولى , وتخلفهم عن الوفاء بميثاق التوحيد الذي قطعوه على أنفسهم أمام ربهم . وما إرسال الرسل وإنزال الكتب إلا لتذكير بني آدم بهذا الطريق وذلك الميثاق. قال تعالى (والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (25) للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلّة أؤلئك أصحاب الجنّة هم فيه خالدون): يونس).

وقال صلى الله عليه وسلم مبينا حال السائرين, ومحذرا من كيد الشّيطان الرجيم Sad

ضرب الله مثلا صراطا مستقيما. على كتفي الصراط سوران , فيهما أبواب مُفتّحة وعلى الأبواب ستورٌ مرخاة , وعلى الصّراط داعٍ يدعو , يقول : يا أيها الناس ... أسلكوا الصّراط جميعا , ولا تعوجّوا . وداعٍ يدعو على الصّراط , فإذا أراد أحدكم فتح شئ من تلك الأبواب قال : ويلك , لا تفتحه فإنّك إن فتحته تلجه . فالصّراط الإسلام , والسّتور حدود الله , والأبواب المُفتحة محارم الله , والدّاعي الذي على رأس الصّراط كتاب الله , والدّاعي من فوق واعظ الله يذكّر في قلب كل مسلم ) , والأ نفس البشرية الضعيفة سريعا ما تركن إلى الدّنيا , وتقع في الشِراك , ولكلٍ سبيله الذي يغويه , فمنهم من تدركه الغواية في سُبُل الشرك الكثيرة , ومنهم من يُضلّ في سبل المال تحصيلا أو إنفاقا , ومنهم من يحيد عنهما لكنّه يقع في شِراك الشهوة , ومنهم من يغلبه الجهل , ومنهم من تدركه شقوة الإستكثار من الحرام , ومنهم الذي يحول حول الشبهات , فلا يستفيق إلا وهو يتخبّط في مهامه الكبائر.

وكلما إلتقط آدمي الطعم الشّيطاني الذي يناسب حاله إزداد إنحرافه عن صّراط ربّه, وأعرض عن ذكره , ثم لا يزال ينقطع عن معالم الهداية , حتى يغيب في ظلمات الضلالة , فأشقاهم من تأتيه منيّته وهو كذلك , وأسعدهم الأوّابون الذين تدركهم رحمة ربّهم من قبل , حيث يُقذف في قلوبهم نور الإيمان ( فإذا هم مبصرون) مستوحشون , يلتمسون الدليل الهادي الذي يستخرجهم من الشِّرك المسموم , ويبصرهم أنوار الطريق , ويوقظهم من سكرة الغافلين ..بصوت الترغيب تارة وبصوت الترهيب تارات...فإذا زكت البصيرة بنور الإيمان صحّت المعرفة وصَلُحت الإرادة , واستقام السلوك , واشتد الحنين إلى منازل الأبرار ومرابع الأخيار , وأخذ القلب يغذّ السّير إلى ميقات ربّه ..ملبيا , مقبلا بوجهه على منازل السعادة , فإذا بلغها اغتسل بدموعه , وأحرم بتوبته , وتسربل بشوقه وصدقه وعزمه , وجانب سائر المحظورات وشرع في السّير طورا فطورا , حتى تلوح أمامه أبواب الفرحة الكبرى , وتتلقاه الملائكة الكرام مهنئين , يقولون ) سلام عليكم أدخلوا الجنّة بما كنتم تعملون)...

والسعيد في كدحه إلى ربّه يتقلب بين المنازل الثلاث : الدنيا , والبرزخ , والآخرة...والدنيا أقصرهذه المراحل عمرا , وأكثرهن إضطرابا , وأعظمهن أثرا في مستقبل الخلود القادم, وفيها تكون التكاليف , ويحصل التجاذب بين نوازع الرّوح والجسد ...ترفعه هذه لتسمو به إلى الفضائل العلوية والقيم, وتثقله تلك بمطالب الجسد الأرضية والشهوات واللذات , وربّه في الحالين أعلم به, أنصح له , وأخبر بمصيره... فإذا مات أبن آدم قامت قيامته , وأنقطعت عن الدنيا صلته , وظهرت له نتائج عمله (( ثمّ ردّوا الى مولاهم الحقّ ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين)) الأنعام:62)..

...يتبع.....

"ولسوف يعطيك ربك فترضى"

» الجنّة 1
» الجنّة 2
» الجنّة 4