الجنّة 1

رحلة فريدة الى الحياة السعيدة..
أحقا هذه الجنة ؟

ما أجمل حديث الجنة ....
دار النعيم ومستقر المؤمنين  وقدم الصدق وأرض الميعاد الحق....نزل الروح والريحان , والرضى والرضوان والفرحة والامان... على أرضها تتناثر حبات اللؤلؤ, وفي مجالسها يظهر الحبور والسرور...آنيتها الذهب والفضة وخيامها اللؤلؤ وشرابها بارد, وهوائها عليل , ونساؤها (كأنهن الياقوت والمرجان ). فيها البهجة والكثرة والسعادة والمتعة...الجمال فيها متجدد ونضرة النعيم فيها تزداد كل اسبوع بعد رؤية الرب الرحيم , والمساكن الفخمة يتضوع عبقها وتكثر لذائذها , وتنشرح  الصدور من سعتها وبديع  تصميمها .
في مساكن الجنة تتنوع اللذات ويظهر  رونق النعيم ..ومن اشجارها الخضراء الباسقة تتدلى الثمار الزكية الشهية , ورائحة المسك تعبق من كريم تربتها , وبديع مياثرها وثياب أهلها . أجسام اهل الجنة مترعة في شبابها , والوجوه المسفرة يزداد بهاؤها وتشتد نضارتها .. هي دار النعيم , ومحلة الخلود ..خلقها الرحمن بيده , وأبدع فيها من الأحوال السعيدة ومباهج اللذات والنعيم وماتشتاق اليه الأنفس الرضية , والأذواق السوية .
 فيالها من محلة سعادة وما أبهجها ! ومنزل كرامة ما أمتعها ..كلت العقول من إدراك جمالها وعجزت عن وصف حسنها:::
      هي جنة طابت وطاب نعيمها             فنعيمها باق وليس بفان
     دار السلام وجنة المأوى ومن            زل عسكر الإيمان والقرءان
     فالدار دار سلامة وخطابهم              فيها سلام واسم ذي الغفران ..

1 – ولا أشرف من دعوة الله جل جلاله لعباده ::
فهي دائرة بين دعوتهم (ليغفر لهم ذنوبهم), ودعوتهم إلى ( الجنة والمغفرة بإذنه) , قال تعالى :" والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط المستقيم )) يونس :25.. ودعوته , تقدست أسماؤه , إلى جنات النعيم تأخذ بمجامع القلوب , وتخاطب سائر الحواس ,وتأسر كل عين مبصرة وتسمع كل أذن مرهفة ولها تشتاق الفطر السوية وبها يصلح حال العباد ومآلهم .. وكل مافي القرءان الكريم عن جنات النعيم غاية في الجمال , لو تأملته القلوب بأنوار بصائرها والعقول بكمالات خيالاتها , قال الله تعالى :" ياعباد لاخوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون(68) الذين آمنوا بأياتنا وكانوا مسلمين( 69) أدخلوا الجنة  أنتم وأزواجكم تحبرون(70) يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب  وفيها ماتشتهيه  الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيه خالدون( 71) وتلك الجنة  التي أورثتموها  بما كنتم تعملون( 72) لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون(73) " الزخرف".
ومن عقد حياة حقيقية مع القرءان الكريم أوشك أن يطير قلبه شوقا إلى دار النعيم , فها هم جيران الله فيها , أمامه رأي العين ....قد سمو بنعيم ملكهم , وأتكأوا على أسرة الخلد في أعالي شرفاتهم , بعد أن أمدتهم كرامة النظر إلى وجه ربهم شرف الدهر وحبوره , والرفاه الكبير لأقلهم منزلة ....واسع , يفيض على ملك الدنيا عشر مرات , والأبرار في غرفاتهم تلك , فارهون (( على سرر متقابلين( 44) يطاف عليهم بكأس من معين( 45)  "الصافات.
والمقربون في منازل السعادة يرون ربهم بكرة وعشيا : ((متكئين فيها على الأرآئك لايرون فيها شمسا ولا زمهريرا ))
 ولا دعوة إلى الجنة بعد كلام الله تعالى أكمل  ولا أجمل  من وصف رسوله صلى الله عليه وسلم , حيث اجتمع له في خبرها طريقان لم يجتمعا لأحد قبله ولا بعده , سوى ما كان لأبيه آدم عليهما الصلاة والسلام  : علم اليقين الذي تضمنه الوحي  , المنزل بجميل صفاتها , وعين اليقين الذي تحصل له عند دخولها . عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي (ص) قال: ( دخلت الجنة , فأبصرت قصرا فقلت : لمن هذا ؟ قالوا : لعمر بن الخطاب , فأردت أن أدخله فلم يمنعني  إلا علمي بغيرتك) قال عمر بن الخطاب : بأبي أنت و أمي  يا نبي الله , أو عليك  أغار؟...
  وحاجة البشر لمعرفة ربهم أعظم الحاجات وأكملها :
 والسير إلى الله تعالى سير القلوب . وهو إنما يصح إذا كانت معرفة القلوب لربها أتم وأرفع . بل حديث الجنة والتشويق إليها , على رفعته وشرف منزلته , ماهو إلا قنطرة لمعرفة الرب سبحانه وإدراك عظمته , وسعة  رحمته . ومن لم يضطرب قلبه شوقا للجنة عند ذكرها , ولم يحده الحادي إلى منازلها فإنه محجوب , لأحد سببين او لكليهما : فساد تصوره أو فساد قلبه , فالتصور القاصر يغرق صاحبه في ظلمات الجهل , وبالقلب الفاسد ير’سف في أغلال الهوى , وأيَان يبصر أنوار الهداية , أو يقوى على السيَر إليها من يراوح قلبه وعقله بينهما؟! وأنَى يعرف الشوق من حرم المعرفة ؟!
ومن عرف ربه بالعبودية فلا بد أن يدين له بالعبادة , ويزهد عن كل ما يقطعه عنه , ويجتهد في الإستدلال عليه للوصول إليه ...جل جلاله..
     والناس في معرفة الجنة والشوق إليها على مذاهب :
فمنهم  خامل الشوق والمعرفة , وهذا أبعدهم عن الآخرة , وأشدهم حرصا على الدنيا , ومنهم خامل المعرفة دون الشوق , وهو المحب الجاهل , صادق الإرادة , ومنهم خامل الشوق دون المعرفة , وهو المنافق السَخيف , أو عالم السؤ ..فاسد التمييز , المفتون بالدنيا .. وأصدقهم كامل المعرفة والشوق . وهم المتقٌون المستبصرون..
والمفتون بالدنيا عن معرفة  دار القرار والشوق إليها ..أعمى البصيرة , سريع التَحول , محروم حتى من سلامة التفكير , فهو إذا تصور الجنة إرتسمت في ذهنه لذَات أهل الزمان الغابر بطعام أهله وشرابهم , ولباسهم ومراكبهم .. التي لم يعد لها وجود في عصر التقدم والكهرباء , والمعلومات والتكنولوجيا , والمواصلات والفنادق ,ووسائل الترفيه , والمنتجعات التي لا حصر لها ؟! وهكذا البشرية الآبقة ... تفسد تصوَراتها , وتضطرب موازينها , فيغدو القبيح الفاني في نظرها جميلا , والجميل الباقي قبيحا !! ولا تكاد تُحسن حتى التفريق بين المتناقضات ....
    والشوق إلى الجنة العالية يزداد إذا صحَت  المعرفة :
ومن نُصّب نفسه داعيا إلى دار السلام , ثم قصر نعيمها على صنف واحدٍ يشتهيه , ولذّة يهواها , لم يكن له سلطان إلى القلوب والعقول , كمن ىلايعرف الجنة إلا حورها وخمرها  وأنهارها  ! فهو يدعوا إلى جنة  الحور أو الخمور فحسب ! ومن قصر النًعيم المقيم في جنس واحد من أجناسه , مهما كان كريما , فقد حجب عن الأعين المتلهفة أبعاد الصورة الكاملة , بمباهجها ولذائذها الكثيرة , وأشغلها  بمقطع واحد لا يعرف التحبيب  إلا إليه  ولا ترغيب إلا فيه ! والحقائق شواهد , قال تعالى ""( وهذا صراط ربك مستقيما قد فصًلنا الآيات لقوم يذًكرون( 126) لهم دار السلام عند ربهم وهو وليٌهم بما كانوا يعملون)) الأنعام ...
 ومن لم يعرف  من الجنة إلا لذة بعينها , ولم يستحضر منها سوى مساحة يطيقها نظره القاصر ....لا يصدُق عليه أنه  آمن بالجنة العالية التي ((عرضها السموات والارض أُعدت للمتقين)) ولا عرف قدرها , ولا أدرك مكانتها وعظيم شرفها . والعقلاء لايحركهم حديث الوجدان المجرّد من المعرفة الصحيحة , ولا يشوقهم التفنن في تزويق الكلام الناقص ورصفه , وتقديمه وتأخيره , وإن صاحبه البكاء والنحيب !! ولا تستهويهم الصورة التي لا يعرض منها سوى مقطع واحد ,’ مهما كان جميلا, أو جاءت في سياق المقارنة بمقطع آخر لصورة مشوّهة أقل قدرا منها ؟! وأنى يعرف الشوق إلى الجنة  من لم يتبين قدرها ولم يدرك الفرق بينها وبين دار الفناء , قال الله تعالى (( بل تؤثرون الحياة الدنيا (16) والآخرة خير وأبقى (17)"" الاعلى ..
والمعرفة الصحيحة بدار النعيم إنما تقوم على إستشعار الكمال والجمال , والعموم والشمول ... في كنه ذاتها الكريمة , وفي لذاتها التي تسع القلوب والأسماع , والأبصار وسائر الحواس , وتتجدد على الدوام برفاة يحقر معه  بنو آدم كل نعيم دنيوي هزيل مر بهم .....
تأليف : جمال بن فضل الحوشبي

                                                  ( منقول)
                                           :""""" يتبع"""""